16‏/01‏/2021

رحيل صديق!

 رحيل صديق!


عندما يختطف الموت عزيزا لديك؛ يتركك أحيانا تنتظر مكالمة هاتفية منه وقتا قصيرا أو طويلا فلا تدري إنْ كان هذا مزاحا من القدر لكي تعيش غياب العزيز كأنه حضور؛ أو لكي يخفف عنك الخبر قبل أن يأتيك كمفاجأة غير سارة.


كان يردّ على رسائلي بمكالمة تليفونية رقيقة يُحْرجني فيها بكلمات مديح عن أسلوبي، وثناء في لغتي!

أرسلتُ إلى إبراهيم العابد تهنئة بالعام الجديد فلم يرد على غير العادة، وأرجعتها لإنشغالاته المتعددة أو لمرض زوجته.. أُم باسم!

مساء أمس أرسلت رسالة بالبريد الالكتروني عاجلة لاطمئن على صحته؛ وفي الصباح الباكر ألقيت نظرة على البريد، فلم يكن هناك ردّ!

أعدتُ تصفح مكالمات تليفونية قد فاتتني؛ ففهمت أن هناك خَطـْبا ما، وأن الموت له طُرُق عدة في التعريف بمن يختطف عن طريق أحاسيس، وقلق، وهواجس، وهو، أي الموت، ليس صريحا في كل مرة!

بحثتُ عن اسمه في جوجل فقرأت خبر رحيل الصديق العزيز إبراهيم العابد أحد أعمدة الإعلام في دولة الإمارات العربية المتحدة طوال 47 عاما!
لم أعاتب الموت لأنه أخفى عني الخبر منذ 20 أكتوبر الماضي حتى صباح اليوم، فكل نفس ذائقة هذا الضيف القدري الذي يأتيك من أي مكان وفي أي وقت دون أن يطرق بابك.

منذ سنوات اختلفت مع المرحوم قبل أن نتقابل، وفي زيارة لسلطنة عُمان نصحني الصديق ماجد بن سعيد المحروقي في وزارة الإعلام أن أتعرف على إبراهيم العابد فهو واحد من أوفى الأصدقاء وأصدقهم وأغزرهم ثقافة وتهذيبا وتحضُّرا.

وفي أول لقاء لنا في أبو ظبي كنا كأننا صديقا طفولة لم ينفصلا قط!
عاتبت نفسي مرة عندما استمعت إلى نصيحته، فقد رغبت أن يكون إهداءُ أحد كتبي إلى اسمه الكريم، فطلب مني أن يكون الإهداء لمسؤول إماراتي آخر كنت أعلم أنه لن يشكرني، فاستجبت له، وصباح اليوم أصررت على الندم لأنني سمعت نصيحته ولم يكن الكتاب حاملا اسمه، رحمه الله، في المقدمة لتتشرف صفحاته به.

اتصل بي بُعيد انفجار مرفأ بيروت قائلا: كأنك عشت حياتك في لبنان بتفاصيل الطائفية والفساد فيه، فقد وصفت الحالة اللبنانية بقلم عاشق غاضب! قلت له: لم أقم بزيارة لبنان قط!

مع بداية التطبيع أرسلت له مقالا عن رؤيتي، وقلت فيه بأنه لو اعترف كل العرب ومنهم أصدقائي وأحبابي بدولة الكيان الصهيوني فسأبقى بمفردي مقاطعا لكيان الاحتلال!

إنه مسؤول كبير ولا يمكن أن يمتدح في المقال ومستحيل أن يبرر لي التطبيع فهو فلسطيني يحمل الجنسية الإماراتية، فخرج بذكاء من المأزق وأرسل لي علامة لايك!

كان رحمه الله مضيفا رائعا يظن كل عضو من الإعلاميين المدعوين في اليوم الوطني الإماراتي أنه الضيف الأقرب إلى قلبه!

كان، أسكنه الله فسيح جناته، وفيا وصادق الوعد ومُحبا للإمارات فلا تدري أهي مسقط رأسه أم فلسطين!

ثلاثة أشهر والموت يخفي عني أنه اختطف صديقا عزيزًا، وكان حُزنه الأكبر على مكتبته الضخمة والثرية، فمن لديه مثل مكتبته يتمنى أن يأخذها معه لعله يطالع ويقرأ في زمن البرزخ حتى تأتيه مكتبة جديدة في جنة الخُلد بإذن الله.
رحم الله الصديق إبراهيم العابد صانع الإعلام الإماراتي طوال نصف قرن!

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 16 يناير 2021

ليست هناك تعليقات:

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...