مفاهيم ليست من إسلامي!
1- إذا قدّمتُ واجبَ العزاءِ فإنني لا أقول: البقاء لله؛ فالبقاءُ للهِ تُقال يوم القيامة عندما تنتهي حياةُ كل الكائنات الحيّة، ويسأل ربُّ العزةِ: لِمَنْ المُلـْك اليوم؟ فتأتي الإجابةُ السامية الإلــَهية: للهِ الواحدِ القهـّار!
أما استبدالها بالعزاء الإنساني، والتعاطف، والتمنيات بالبركة، والخير، وما ترك الراحلُ من علاقاتٍ جميلة تُعبّر عنه بصدْق(البقية في حياتك) فقد كان خطأ جماعاتٍ، وتياراتٍ إسلامية مُحدثة تحاول أنْ تنزع مِنّا كلَّ ما هو جميل.
كلمة البقاء لله هي تحصيل حاصل كقول الشاعر: "كأننا والماء من حولنا قومٌ جلوس حولهم ماء"!
فأنت لا تضع الخالقَ العظيمَ مقارنةً بالمخلوقِ الضعيفِ لأنَّ(البقاء لله) أمرٌ طبيعي، وحتميٌ؛ حتى لو اعترض الكونُ كلــُه.
عودوا إلى العزاءِ في أجمل تعبير إنساني( البقية في حياتك) يُسْعِد المُتلقي، ويبهجه، ويتمنى أنْ يُكْمل اللهُ فيه طريقَ، ومحاسنَ، وبركاتِ، وخيرَ الراحل المتوفى!
2- لا أحب دعاءَ الشيخ الشعراوي" اللهم ربَّ هذه الدعوةِ التامة، والصلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلةَ والفضيلة، وابعَثْه مقامًا محمودًا الذي وعَدْتَه " فهذا الدعاء كمثل الذي يدعو اللهَ أن يكون في البحر ماء، وفي السماء نجوم، وفي الصحراء رمال!
تحصيل حاصل، فالنبي الكريم هو حبيبُ الله، ومغفورٌ له ما تقدم من ذنبه و.. ما تأخر، وموعودٌ بجنة الخُلــْد، وأعطاه اللهُ رخصةَ تبشير بعض الصحابة بالجنّة؛ فَهُم المبشَرون منه، عليه الصلاة والسلام.
لماذا يُحْرمون المسلمَ من أن يدعو اللهَ لأمِّه، وأبيه، وأهلــِه، وأحبابــِه، وشريكة حياتِه، وأبنائِه، فيجعلون دُعاءَ ما بعد الصلاة لوفاء رب العزة بالمقام المحمود لرسوله، ونبيه الأمين؟
اجعلوا دعاءَكم في موضعِه الصحيح، وهذا لا يقلل من شأن النبي، صلوات الله وسلامه عليه، لكنه يسعدكم، ويبهجكم، ويريحكم أنْ تتوجهوا بالدعاء لمن لستم متيقنين أنهم في الجنة، بدلاً من دعاءٍ لمن في الجنة أن يدخل الجنة!
3- لا أحب اتهام من انتحر بأنه يائس من رحمة الله، ولن يغفر اللهُ له!
انتحر لأنه حُمِّل ما لا طاقة له به في حياة لم يُستَشَر فيها، فغادرها، فكيف يعاقبه الله؟
إنَّ الضغوطاتِ النفسيةَ، والعصبيةَ، والعاطفيةَ، والعقلية، والجسدية، ومنها المرض العضال، قد تؤدي في النهاية إلى انتحار شخص لم يتحملها؛ فكيف ينزل به عقابُ خالـِقه لأنه خُلــِـقَ ضعيفاً؟
4- لا أحب الدعاء العنصري، والطائفي، والمتخلف، والمُسيء لدينِنا الحنيف: اللهم ارحم موتى المسلمين!
كيف اقتنع إنسانٌ أنْ يقترح، أو يطلب من الله الرحمةَ لمن احتلتْ أسماؤهم خانة الديانة(مسلم) في البطاقة الشخصية؟
وماذا عن القروي الطيب في شمال منغوليا، والمرأة التي تمر على المرضى لتشدّ من عضدهم في آيسلندا، وهي لم تسمع عن الإسلام؟ والشاب البوذي المتدَيّن والكريم الذي قضى طفولته في معبد صيني ولا يقرأ غير لغة الماندرين؟ والعالــِم، والمُربي، والأب المثالي في جبال أوروجواي الذي لم يقرر بعد أيَّ دين يعتنق؟
دعاء أبغضه بشدّة، لأنه اعتداءٌ على شيء ليس لأحد غير الله أن يَفْصِل فيه.
5- لا أحب القول بأن محمداً بنَ عبد الله، صلى الله عليه وسلم، سيشفع للمسلمين عند الله يوم القيامة.
لا شفاعة إلا لله الواحد القهّار، ولا يوجد في يوم الحشر(علشان خاطري!) أدخل المسلمين كلهم الجنة فقد آمنوا بي دون أن أكون بينهم.
المُلك، والكلمة الفصل، والرحمة لله، عز وجل، ولا تسمع إلا همساً، والعقل يرفض الاعتقادَ بأن نبي الإسلام الكريم سيطلب من الله أن يرحم مؤمنين جاءوا بعده بمئات أو آلاف السنين، ولا يعرفهم، ولا يعرف أسباب اعتناقهم الإسلام، ومع ذلك فلا يشفع للبشر الطيبين والمسالمين والمتناثرين على وجه الكرة الأرضية ولم يعرفوا، أو لم يقتنعوا، أو عاشوا حيواتهم في حيرة، لكن قلوبَهم صافية كنفوسِهم الطيبة.
6- لا أحب تهنئة من يقوم بأداء مناسك الحج(خارج المملكة) للمرة الثالثة والرابعة والعاشرة بفضل أمواله، ويترك زوجتَه، وأبناءَه، ويُهْمِل التربية والحقوق لأنه أرادَ العيشَ في أجواءٍ روحيةٍ، ويعود كما ولدته أمُّه.
هذا الحاج ارتكب سرقتين: الأولى هي سرقة مكان مسلم آخر تمنّى أداءَ الفريضة؛ ولكن النسبة المئوية لا تسمح للاثنين بالحج في نفس الوقت.
السرقة الثانية، وقت الزوجة والأبناء، فأنا أتفهم الحج مرة أو ربما ثانية؛ وأكثر من ذلك هي رفاهية لا أظن(والله أعلم) أن ثوابَها مضمون.
7- لا أحب القول بأن الأمراض والجائحات والأوبئة، والفيروسات، والزلازل، والبراكين عقابٌ من الله، فهي نتائج طبيعية للزمان، والمكان، والهجوم الميكروبي، وعشرات الأسباب، التي جلبها الإنسانٌ لنفسه،أو.. أوقعه سوءُ حظــِّه في مكان موبوء.
إن اللهَ لم ينتقم من ملايين من البشر فأصابهم بكوفيد 19، أو تسونامي في 2004 أو غيرها.
إندونيسيا أكبر بلد إسلامي تقوم على أكثر من سبعين بركانا ينشط بعضها بين الحين والآخر،وفي عام 1755 دمَّرَ تسونامي العاصمة البرتغالية لشبونة وقتل سُدسَ عدد السكان.
المسلم التقي الذي يعيش في جزيرة جاوة الإندونيسية من المحتمل أنْ تقتله الطبيعة، والمجرم العاصي الذي يعيش في السويد يعرف أن موتَه نتيجة بركان شبه مستحيل.
8- أدعية كل السجناء المظلومين ليخلصّهم الله من سجّانيهم لن تؤثر قيدَ شَعْرَه؛ ولكن تمَرُّد، واحتجاج، وغضب رهط من السجناء ضد إدارة السجن ربما تُخلـّـصهم منه.. أو ترفع القيدَ عنهم، وهذا أيضا بفضل الله، ولكن بعد غضب المظلومين.
9- لا أحب أن يُنسَب إلى الإسلام والقرآن المجيد كراهية اليهود، فقد خسرنا في هذا التفسير الأعور، والأعوج قضية العصر، وتبرأ الذين اضطهدوا اليهودَ ،هولوكستياً، في الغرب، وتحمّلنا نحن نتائجَ اضطهادِهم، فظهرتْ دولة صهيونية استعمارية استيطانية زعمتْ أننا نحن الذين نكره أبناءَ عمومتِنا، رغم أننا كنا الملاذَ الآمنَ لهم منذ عصر الأندلس لستمئة عام خلتْ.. إلى ما بعد قيام الكيان الصهيوني.
10- لا أحب الزعم الكاذب بأن الاستغماية(!) في تغطية وجه المرأة تُرضي الله، رغم أنها تقتل الذكريات الجميلة، وتحجب تعبيرات الوجه، وتناهض ما جاء بقرآننا الحميد أن الله خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف، وتفتح، وفتحتْ المجال لآلاف من جرائم القتل، والإرهاب، والتهريب، والتحرش، والخيانة الزوجية، والخداع، والغش، وإتاحة الفرصة لأيّ رجل أنْ يرتكب المُحَرّمات دون أنْ يعرف أحدٌ تلك التي يزورها .. أو تمشي معه.
هذه بعض المفاهيم التي أوصلتني إليها قناعاتي الإنسانية قبل الإسلامية، ولم تنتقص قيد شعرة من إسلامي وإيماني.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 23 أكتوبر 2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق