لماذا تهاجم الإسلام؟
تهاجم مئات الآلاف من المواقع والمنتديات والفيديوهات الإسلام الحنيف بشراسة، وتكتب عنه وعن نبيه، صلوات الله وسلامه عليه، ما يخجل قلم المؤمن من الإشارة إليه، فيصمت أكثر المسلمين، ولا يتجرأ إلا القليل جداً منهم على تفنيد، وتشريح، وتكذيب هذه الانتقادات الساخرة.
وعندما يكتب مسلم انتقاداته لسلوكيات أتباع دينه، وينتقد تصرفاتهم، وتخلفهم الحضاري، وميليشياتهم التي ظهرتْ كالشياطين في نصف القرن المنصرم، تصهل جيادُ المسلمين، وتلمع سيوفُهم التي لا تذبح دجاجة، ويعتبرون مَنْ يحمل همومَهم ناقداً للإسلام، دينِه الذي يعتز به.
تكتب عن تغطية وجه المرأة وأضراره، فيردّون عليك بالدفاع عن (الحجاب)، لأنهم لا يقرأون إلا ما في صدورهم مسبقاً!
ما هو السبب في هذه الظاهرة؟
أنا أظن أنَّ المزايدة الدينية العلنية هي نقطة الجذب لأكثر السيّافين نِتـّـياً، فكل مسلمٍ يرفع دينَه إلى الأعلى حتى يراه الآخرون، ويزعم أنه يدافع عنه لكسب رضا الله، والحقيقة للمجتمع، ويهاجم من ينتقد سلوكيات مسلمين لأنه على حدّ فهمه الهشّ ينتقد الإسلام نفسَه.
وكانت النتيجة كما ذكرت من قبل مضاعفة أعداد الملحدين والخارجين عن المِلـّة بسبب الحُجج الواهية، والمرويات الضعيفة، والتراثيات المُخرفة التي حشروها، ظلماً وعدواناً وكذباً، في عصر صعود الجَهَلة، والمنافقين، وأذيال السُلطة، وجامعي أموال المتبرعين لسرقتها.
كل القضايا تخسر إذا دافع عنها مَنْ هَبَّ ودَبَّ، فالأمي المنوط به شرح فلسفة شوبنهاور، وعبد الرحمن بدوي، وإسبينوزا، وزكي نجيب محمود، وديكارت.. كالمحامي الفاشل الذي يذهب إلى المحكمة ليحاور عُمّالَ الكانتين!
كل مسلم يخاف من مسلمٍ آخر لئلا يسيء فهمَه؛ فالاثنان مسؤولان عن التدهور الحاصل في اعوجاج العلاقات الاجتماعية والفكرية، فالأول يريد أنْ يراه الثاني في روب المحاماة الديني حتى لو كان منعزلا بمفرده في جزيرة نائية، والثاني ينتظر عَرْضَ مشهد الصلاة، والصوم، وحضور خُطبة الجمعة، وظهور زبيبة في جبهته، ونقاب على وجوه نساء بيته، والمسارعة في الذود عن الدين حتى لو كان يقرأ الفاتحة بشِقِّ الأنفس.
لذا لا يلتقي مُسلمان ويتحاوران إلا كان الحديثُ المُزايد عن الدين ثالثـــَهما، وفي ذكرياتي حكايات لا حصر لها عن المزايدة الفجّة، عن سائق التاكسي في الاسكندرية الذي عرف أن وقتي ضيق؛ فأراد أن يتركني ليؤدي الصلاة في المسجد، والذين رفعوا صوت الراديوعلى القرآن الكريم في القطار المتجه من بروكسل لشمال بلجيكا؛ ونهرهم ركابُ بلجيكيون أرادوا الراحة، والذي ركب موتوسيكل في مدينة نيس الفرنسية وهو يحمل راديو يُزعق بالقرآن الكريم ويمر في الشوارع حتى يسمعه الناس، وعشرات، ومئات، وآلاف من النماذج التي تريد أنْ تشهد الناسَ على ما في قلبها و.. ليس الله.
المزايدة الدينية لا تتركك في حالك، وتطارد المرأةَ لتتحجب، فإذا تحجبتْ طاردوها بالحَثِّ على إخفاء وجهها.
المزايدة الدينية الوقحة التي يصف دعاتُها، جهراً ونهاراً وعلناً وأمام مسلمات عفيفات وعذراوات، متعة الرجل الجنسية وهو يُجامع عشرات من الحور العين في الجَنّة، ومطلوب من المرأة المسكينة وربما غير المتزوجة أن تنصت إلى هذا الغثيان لأنه بحسب اعتقاد الجهلاء ركنٌ من أركان الدين.
والمزايدة الدينية تجعلك ترغب في الهجرة إلى مكان لا يحدثك فيه أحد إلا عن الحياة الطبيعية والجمال والتربية والأطفال والتعليم والموسيقى والثقافة والترفيه، ويترك لخصوصياتك الشأن الديني الخاص.
"الدين النصيحة" هو حديث شريف وجميل، لكنه أصبح عائقاً بفضل المزايدة، وتدخل الناس، والإعلام، والدعاة، والجيران، والأصدقاء، والغرباء لرسم يومياتك؛ فيدفعونك لهجرة الدين.
ومع وصول المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلى مرحلة شَبَع المزايدة أصبح كل واحدة داعية، والسلوكيات بعيدة كل البُعْد عن الإسلام الحنيف.
الالتزام الديني الظاهري ليس دليلا على ما في الصدور، فكثير من المسلمين يتجنبون صداع الرأس فيزايدون مع المزايدين.
لو كان الدينُ لله فقط لأصبحنا أمةً من أشباه الملائكة في كل مكان، لكننا للأسف الشديد نعيش بفضل المزايدة في خضم الفساد، والظُلم، وحُكم الديكتاتوريين، وعدم التسامح مع غير المسلمين، والفقر، والمرض، والزيف، والتزوير، والتعليم المتأخر، والقروض من العالم الأول، والسرقة، والنهب، وضياع الحقوق، فالمهم فَصْلُ الرجل عن المرأة، وإخفاء وجهها، وطاعتها العمياء لبعلها، والاستماع لشرائط ذكور دعاة يكرهون المرأة في الشارع لكنها تجذبهم في الفراش.
في المزايدة يضيق صدرُك فهي التي صنعت داعش، وطالبان، والسلفيين، وبوكوحرام، والدواعش، وكل التيارات الدينية، المعتدلة والمتطرفة، وجاءت الحركات الإرهابية على نار هادئة؛ ضلعاها الفتاوى الفجّة و.. المزايدة الدينية.
ما أسهل أن يقول لك جاهل مُزايد بأنك تكره الدين، فتصمت لأنه يملك اللسان.. وأنت وهَبَكَ اللهُ العقل.
ما أسهل أن يصيح نصف أمّي في وجهك بأن الحديث النبوي صحيح حتى لو رواه رجل بعد مئتي عام من وفاة حبيب الله، عليه الصلاة والسلام، فتفقد الحُجّة في زمن اللاعقل!
كان يمكن لحديثي هذا أنْ يصبح هراء، وكلماتٍ عبثيةً لو أنْ المزايدةَ الدينية التي تطاردنا ليلا ونهارا قد آتتْ أُكُلـــَها ضعفين، وأصبح العالــَـمُ الإسلامي نموذجا للتقدم، والنظام، والنظافة، والعدالة، وخُلـوّ سجونِه ومعتقلاتِه من الأبرياء، وخلو حياة شبابه من المخدرات، والتفاهات، والتحرش الجماعي، والسرقة، والاغتصاب، والاختطاف، والقرصنة!
كان يمكن لحديثي أنْ يسقط من أول جُملة لو أن عالمنا الإسلامي كان مكانَ هجرة للمضطهدين في الغرب، وللباحثين عن العدل، ولعاشقي الحرية، ولغير الخائفين من صفعة رجل الشرطة على القفا، ولمراكز البحوث العلمية والطبية، والتَصَحُّر، وعلوم الفضاء، والسلام، والحقوق التي يحلم بها غير المسلمين.
لكن المزايدة كادتْ تُدَمِّر سلامَ حياتنا، فالمسلم(غالبا) لسانٌ فقط، والداعية الديني الجاهل نصيحةٌ فقط، والسلطة التنفيذية قبضة على عنق المواطن، والتشريعية تشريع لمِزاج الحاكم، والقضائية مكان خصب لولادة شياطين تحت لوحة تدعو للعدل.. والقسطاس المستقيم.
مَنْ كان يُصَدِّق منذ مئة عام فقط أنْ يكون الشباب، وخريجو الجامعات العريقة في مدنٍ حملتْ مِشْعلَ الحضارة قروناً طويلة هم الأكثر إنشغالا بحجب نصف المجتمع عن النصف الآخر، وبالإنصات ببلادة لشيوخ محدثين وجامعي تبرعات لنهبها، وحكايات يضحك عليها الجنين في بطن أمه.
آفة المسلمين هي المزايدة، وإجبار بعضهم البعض على لعب دور التُقاة، والمطهرين، والناجين من النار، فَمْنْ يُلوّن يومياته ليقولوا عنه أنه مسلم ملتزم، غير الذي يصمت حتى تسمع الملائكة تسبيحاته الصاعدةَ من القلب إلى السماء.
لا تُحدّثني عن ديني، وانتظر يوم ينادي المنادي من مكان قريب، ويوم يُلزم كل مِنّا طائرَه في عنقه.. اقرأ كتابــَك كفىَ بنفسك اليوم عليك حسيبا.
ما أقنعني أحدٌ بجمال ديني، ومنطقيته، وموضوعيته، ومصداقيته أكثر من الأخرس، فنحن في عالم يُحاسب فيه المسلم أخاه على كل همسة، وكلمة، ولفتة، ونظرة، وفكرة كأننا نعيش يوم القيامة مرتين: الأولى أرضية، والثانية سماوية.
سكوت.. سكوت.. سكوت؛ فأجهزة قمْع تابعة للحاكم تمر أمامكم، فتزداد المزايدة الدينية التي يهلل، ويهتف لها، ويفرح بها الديكتاتور والفاسدون من رجاله.
عندما يُقدِّم المسلمُ الفكرةَ قبل الشخص؛ فقد خَطـَـونا أولى خطوات الطريق الصحيح.
طائر الشمال
محمد عبد المجيد
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 20 أكتوبر 2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق