رسالة مفتوحة إلىَ
رئيسٍ مَيّــتٍ!
السيد الرئيس عبد
العزيز بوتفليقة،
مبروك مقدما
للولاية الخامسة وربما الثامنة والعاشرة نكاية في دود الأرض الذي ينتظرك بصبر
أيوبي.
أنا أعرف وأنت
كذلك تعرف أنك ميتٌ نصفه حياة، ومدفون فوق الأرض على كرسي متحرك، وأن حواسك الخمس
تراجعت إلى نقطة الالتقاء بين الثعبان الأقرع وملك الموت، لكن الذين خدعوك لم
يتقوا الله في شعب الجزائر العظيم، شعب المليون ونصف المليون فارس الذين أصبحوا
شهداء من أجل الجزائر جزائرية، فإذا بعسكرك يتركون لك بعض النبضات ليظن الجزائريون
أن روحك لم تصعد بعد.
كنتَ تلميذا
لهواري بومدين، المناضل العنيد، وعندما غادر الدنيا ظننا أنك تعلمت منه أصول
الحُكم وأنت على قيد الحياة، فإذا بأعداء الشعب يُعلــّــموك أصول الموت على كرسي
متحرك تستقبل خيالات زعماء، ولا تستطيع أن تذهب للحمّام بمفردك أو تمسك قلما، أو
تحلق شعر ذقنك إلا بمساعدة مساعدي العسكر.
أهانوك، سيدي
الرئيس، وكذبوا علينا بحكايات مفبركة عن قدرتك على التفكير والكتابة والتذكر، فإذا
أنت تقع سجينا لمرؤسيك، يتحدثون باسمك، ويوقـّـعون على الأوراق بقلمك، ويصدرون
أوامر الاعتقال باسم الثورة المباركة.
شعبك، وأنت لا
تدري ماذا أقول لك، يستطيع أن يمدّ العالم العربي بأكفأ القيادات والإداريين
والعلماء والخبرات والسياسيين دونما حاجة لرُتَب عسكرية أو نياشين أو دبابير، لكن
من يحكمون شعبنا العظيم يدوسون على كل القيم والمباديء والأخلاق، ولا يشفقون على
صحتك التي لا تنهض بعضو من جسدك خليةٌ واحدة منه، فبعضُ الموتي أكثر حياة منك.
هل تستطيع أن ترفض
أو يرفض شعبك أو أهلك أو عائلتك أو بقايا مناضلي ثورة التحرير الاستمرار في هذه
اللعبة السخيفة والمؤلمة والحزينة، فتنتقل إلى بيتك قبل أن يقوم حفّار القبور
بزيارتك وأنت كريم، لا أن يبتعد عنك وأنت عاجز؟
كل عربي فيه من
الجزائر شطر، وكل مناضل يأخذ شهداء الجزائر مثله الأعلى في المقاومة، وإذا عبــّـرنا
عن حبنا للجزائر ففي صلابة بومدين، وفي فكر مالك بن نبي، وفي إيمان بن باديس، وفي
روح جميلة بوحيرد، وفي كنوز قسنطينة الفكرية، لكننا نقف عاجزين عن إنقاذِ رجل
عاجز إذا هبت نسمة رقيقة اقتلعته من
القصر.
سيدي الرئيس،
لماذا فعلوا بك ما
لو جاء الاستعمار بقسوته لرفض محاكاة أبناء الشهداء وهو يصمتون صمت الموت على رجل
ميّت.
مشهدك أسوأ وأحزن
من مشهد محنط في تابوت يحركونه يمينا ويسارًا لتأكيد أن النزع الأخير لم يستأذن
مالك المُلك بعد.
ما الذي أصاب
الجزائريين فلاذوا بالصمت على أن يكون وليُّ الأمر يحكم أو لا يحكم مع دود الأرض؟
أحب الجزائر
حبـَّـا جما، وأراها الأمل في مستقبل مشرق، لكن الفساد فيها أضعاف ما في باكستان
ونيجيريا والعراق، وخيراتها في جيوب الزاعمين بالوطنية، ومشاكلها مصطنعة محليا،
وفي المقدمة فبركة الاكاذيب مع المغرب ليظل البلدان في ذيل ركب شمال أفريقيا، رغم
أن المملكة المغربية قدّمت للجزائر فُرصا عظيمة للقاءات وحدوية، وفتح الحدود،
وتحالف بلدين عظيمين، وتعاون صناعي وزراعي وتجاري يزيل كل المصاعب التي عرقلت تطور
وتنمية البلدين.
سيدي الرئيس
بوتفليقة،
أعاتب الجبناء
الذين يشاهدونك في حالة مزرية، ومرضٍ عضالٍ، وموتٍ حيٍّ، وعجزٍ تام، ثم يوافقون
رغم أنفهم على جعل أحذية العسكر تحكم فوق رفات مليون ونصف المليون شهيد.
قطعا لن أطلب منك
أن لا تترشح للمرة الخامسة فأنت لا تدري ماذا يحدث حولك، وتَرَشُحك إهانة شديدة
لشعبنا الجزائري ولتاريخ النضال الطاهر؛ والحُكم باسمك ليس أكثر من ضرب أبناء
شعبنا الجزائري العظيم على أقفيتهم أمام قبر الجندي المجهول.
ترشحك للمرة
الخامسة إهانة للعقل والوجدان والتاريخ والدين والإيمان، وأعتذر أنك لن تقرأ أو
تسمع أو تعقل ما أكتب.
عزائي لشعبنا
العظيم في نعي الكرامة، فقد تعلــّـمنا في طفولتنا أن الجزائري يثأر لكرامته وهو
في بطن أمه، وانتهينا إلىَ أن الكرامة تبكي حسرة علىَ تفريط الصمت الجزائري في
تراب الوطن تحت الحُكم الوطني .
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد
الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 21 يوليو
2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق