لماذا آنستنا ليلة
العيد؟
هذه الأغنية قادرة
في كل زمن وبلد عربي أن تدخل إلى مسارب النفس، وتستدعي من الذاكرة الأم والأب قبل
أي أحباب آخرين، وتقفز فوق المشاعر الدينية فيستقبلها المسلم والقبطي كأن نصفها
غنته أم كلثوم في مسجد و.. النصف الآخر في كنيسة.
أغنية أتحدىَ أن
ينسبها أحد إلى بلد أو دين أو عقيدة أو شعب بمفرده، فهي مجدولة من ضفائر الوطن
الكبير، وعاميتُها كفصحتِنا، وقاهرتُها كبغدادِنا، والملك فيها رئيس، و(يا دجلة
مَيّتك عنبر) تمنحك الإحساس أنك ترتوي بماء النيل من منبعه العربي وليس الإثيوبي،
وأن الطائفية فيها تذوب ( يعيش هارون .. يعيش جعفر، ونحي لهم ليالي العيد).
أغنية مثل كعك
العيد؛ وضع عجينَها أحمد رامي واستقرت على صاج السنباطي قبل أن تدخل الفرن، وعندما
تخرج تُلهب المشاعر بنفس القْدْر في كل مرة .. في كل عيد!
أغنية تشم فيها
عبق الأب ورائحة الأم ولو كانا في القبر الطاهر لسنوات طويلة خلتْ.
أغنية تنافس
تكبيرات العيد فهي ليست صلاة؛ إنما شبه صلاة طفولية ترعرعت في الشباب، وتزودت في
الكهولة بالقدرة على كتابة تاريخك.
أغنية إذا هبطت
على صدرك من أذنيك في ساعات رؤية الهلال فكأنها ضمت السنوات الميلادية للهجرية،
وقدمت لك بوكيه ورد من حدائق الوطنية التوأم فلا تدري إنْ كان الهلال يعانق الصليب
أم أن جرس الكنيسة يدق فوق مئذنة المسجد القريب.
أغنية لا تكترث
بعُمرك، فتأتيك في كل مرة وتجدد خلايا الذاكرة، ولا تعير لزهايمرك أدنىَ اهتمام،
فهي حالة خاصة تستدعي لحظات سعادة من الماضي حتى لو كانت الحذاء الجديد تحت
الفراش، أو العيدية بأوراق لامعة قيمتها في اليد التي تمدها لك مع قُبلة على
الوجنتين.
أغنية لا تنافـِـس
ولا تُنافَس، حتى لو آتت أذنيك بخربشة من تسجيل قديم، فعبقريتُها في أنها تُنقي
نفسها بنفسها.
أغنية لا تموت
بموت أجيال خلف أجيال، فالأعيادُ أيضا خالدة، وقبور آبئنا تفتح لها ثغرة لتُشركهم
في ليلة العيد.
في العام القادم
والذي يليه وحتى يوم وداعك ستسمعها للمرة الأولى بتوزيع مشاعري جديد من آلات
مختبئة في القلب!
كل عام وماضيكم
بخير، وذكرياتكم تتجدد بأنفاس الأم والأب.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 15 يونيو
2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق