11‏/06‏/2018

ابتسم فأنت في سلطنة عُمان!

ابتسم فأنت في سلطنة عُمان!

( من المخجل أن لا تتقدم جامعات ومؤسسات عُمانية للجنة جائزة نوبل للسلام بالسيرة الذاتية للسلطان قابوس والطلب بمنح جلالته الجائزة الدولية؛ فقد أزف الوقت لها)


يعيش دعاة التغيير من القاعدة الشعبية أحلاما وأوهاما بينها وبين الواقع العملي بُعد المشرقين. 
التاريخ يشهد في كل مكان وزمان أن الرجال يصنعون الأحداث؛ ولعلي لا أبالغ إنْ قلت بأنهم أيضا يصنعون الشعوب. 
يتولى رجل قيادة شعب؛ فيحوّله إلى عبيد أو أسياد، ويستخرج من أعماقه الرحمة أو القسوة؛ ويقتل الابداع أو يفسح المجال للمتخلفين والمعوقين ذهنيا والمتأخرين عقليا لقيادة مسيرة هزيلة تكتب عنها الصحف كأنها معجزات. 
لا أخفي تعاطفي مع القيادة الرائعة للسلطان قابوس بن سعيد، وأتخيل أحيانا زعيما آخر مكانه يتولىَ السلطة في بلد مترامي الأطراف، تجاوره مناطق ساخنة أو مشتعلة، وموارده لا تكفي نصف أحلام الرفاهية، وليس به غير مدرستين، ومستشفى، ويغرق في أمية وفقر وجهل وحروب واستقطاب من أباطرة العنف في اليمن الجنوبي.

 
دعاة التغيير من القاعدة لن يفهموا النهضة العُمانية التي أعاد بها رجل واحد شعبا إلى التاريخ والجغرافيا والحاضر. 
لا يحب العُمانيون مقارنتهم بغيرهم حياء وخجلا وتواضعا، وخشية سوء الفهم من أن يوحي الوشاة لقيادات البلاد الصديقة أنه موقف رسمي عُماني. 
لكن الصمت أيضا شهادة زور، والمقارنة دائما في صالح سلطنة عُمان التي سارت على نهج مدهش وضعه السلطان قابوس ليشمل الانسان والمواطـَـنة والحقوق والواجبات والأمن وسلام الوطن والحفاظ على الثروة واللحاق بركب الحضارة والابتعاد عن الحروب والنزاعات ومناوشات الحدود والانتصارات الفاشلة التي يغطي بها القادة الآخرون اخفاقاتهم في تحقيق أماني وآمال شعوبهم. 
نظرة واحدة على الجزء الأكبر من عالمنا العربي ليكتشف المرء بعدها أن عبقرية القيادة للسلطان قابوس هي التي أعادت صناعة دولة، كانت بالفعل قائمة، لكنها غائبة بكل المقاييس. 
تولى السلطان قابوس الحُكم بعد عام من ثورة الفاتح من سبتمبر. اختار العقيد معمر القذافي المظاهرات والحروب وتبديد الأموال ووضع كتابه الأخضر موضع قداسة لينينية، وبدلا من السلام والتسامح والأمن، رأى القائد الليبي نهضة بلده في التدخل في شؤون الآخرين، وبناء المعتقلات، وتصفية الخصوم، والانفاق بدون حساب من عشرات المليارات على النزوات والمنافقين والتهريج، وتحولت ليبيا إلى سجن كبير. 
الجزائر التي كان من الممكن أن تتحول إلى واحدة من أغنى دول البحر المتوسط, اغتالها اإارهاب, وسرطن فيها التطرف، وأشاع الفسادُ فيها روح الموت، وخسر الجزائريون استقلالهم من جديد بعدما انتزعوه بمليون ونصف المليون شهيد. 
لا نريد أن نسهب في الحديث عن كوارث ومصائب الدول العربية الأخرى؛ فالهدف من الإشارة الانتباه إلى قضية القيادة الحكيمة. 
والشعوب لا تصنع قيادتها، لكنها تأتمر بأوامر حفنة من الرجال، قد يخرج منهم مستبد أو طاغية أو فاشي أو قوي أو ضعيف أو منقذ للوطن. 
وتستجيب الشعوب فورا للقيادة والسلطة؛ وتبدأ عملية بناء خط الدفاع الثاني عن كرسي العرش، أو أن تصل إلى المحيطين رسالة واضحة بأن الرجل الأوحد يملك نهجا وخططا طموحة واخلاصا، وفي هذه الحالة يمكن الحديث عن تقدم وتطور وخيرات ورفاهية. 
معجزة النهضة في سلطنة عُمان تكتشفها بسهولة العين المدرَّبة على النقد واكتشاف السلبيات وتتبع الفكر الاداري للزعيم. 
إنها معجزة العقل الجمعي الذي اكتشفه السلطان قابوس كمدخل وحيد للنهضة، ولهذا لا يخرج عن النهج المستقيم إلا قلة نادرة، وتجنبت عُمان مئات القضايا والمشاكل والأزمات التي تسببها فوضى الابتعاد عن العقل الجمـعي. 
والعقل الجمـعي يشبه تماما الثكنة العسكرية التي لا تحجر على التفكير، لكنها في النهاية تلتزم بأوامر قائد يخوض معها ولها معاركها حتى النصر. 
يتعجب الكثيرون من خشية قوى الإرهاب الاقترابَ من سلطنة عُمان، والحقيقة أن نجاة عُمان من آفة العصر لم يكن بفضل اليد الحديدية للأمن، أو قوة رجال الدين وجماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو بالوعي الثقافي المؤثر من بعض المثقفين والمفكرين وعدة مطبوعات وندوات لا تغني ولا تسمن؛ إنما يعود السبب إلى تحريم الطائفية والمذهبية وصراع الجماعات والميليشيات على أرض السلطنة. 
كيف يمكن للارهاب أن يجد طريقه إلى المواطن العماني؟ 
كل الطرق مسدودة، وحتى مزايدات القوى الدينية سيرفضها العقل الجمـعي الذي يحرّك حاسة استشعار الخطر، ولم نسمع أنَّ داعية دينيــًــا في عُمان رفض تعيين سفيرة في هولندا، أو اعترض باسم الدين على حقوق المرأة، أو تظاهر ضد سماح الدولة بحفل غنائي لنانسي عجرم أو حتى شاكيرا. 
العُمانيون ليسوا دعاة لدينهم في مناخ مسلم، لكنهم مستنهَضون من أجل الوطن، ولم تنتقص الاهتمامات والهموم الوطنية من التمسك العقيدي المعتدل للمواطن دون تفريط أو .. تهاون. 
عندما تركت السلطة الشرعية والتنفيذية في السعودية الفكر الديني المتشدد يحل محل الدولة، والمطاوعة مكان رجال الأمن، والنصوص القديمة لمفكري القرن الثالث الهجري بدلا من الفكر المعاصر والفنون والاداب والجمال والفلسفة؛ خرج المارد المخيف محاولا دفن الوطن حيا، ومطاردا الأبرياء، ومستخدما النصوص المقدسة في الترهيب والتخويف والتكفير. 


وكل هذا كان في ذهن السلطان قابوس بن سعيد وهو يحاول النجاة بالوطن في صورة التسامح المتغلغل في العقل الجمـعي للشعب العُماني. 
إن سلطنة عمان بعيدة تماما عن الوقوع في شرك التفرقة أو الطائفية أو انتزاع حقوق الآخرين أو الدعوة لمذهب الأكثرية من أبناء الوطن. 
في تونس يصيب الحديثُ عن التدين الرئيس زين العابدين بن علي بأرق شديد، وتشمّر قوىَ الأمن عن سواعدها، وتفتح السجون والمعتقلات أفواهها وزنزاناتها المظلمة والمخيفة والجحيمية. وفي سلطنة عُمان عقل شعبي يعتبر التدين المعتدل في صالح المنظومة الأخلاقية، بل يراه السلطان منسجما مع النهضة، وحاميا للوطن من الفساد، وسلوكا متحضرا ما لم يؤذ الغير. 
إذا أردت أن تتعرف على سلطنة عمان فيمكنك أن تدلف إلى روحها المتحدية لكل الصعاب عن طريق الأخبار الصغيرة والمحلية والتي يمر عليها الكثيرون مَرَّ الكرام. 
ندوات وفعاليات وأنشطة في طول البلاد وعرضها، حتى تعزيز الخط الساخن لوزارة البلديات الاقليمية والبيئة وموارد المياه، ويمكنك أيضا أن تتابع حلقة عمل تطبيقية للأداء المدرسي، ثم تشاهد حملات نظافة على كل المستويات، وبعدها تقرأ عن جائزة الابداع البيئية التي حصلت عليها سلطنة عُمان، ولا يتوقف الأمر عند تعلم السلوك المروري، والتعرف على منتجات ومحصولات التربة العمانية، أو دورة للكشف عن المواد الممنوعة لأمن المطار، أو عشرات الدورات في الحاسب الآلي، ولا تختتم مع التعريف بالعمل الصحي والارشاد النفسي لمرضى الايدز. دولة بأكملها في حالة استنهاض للهمم، لا يتأخر فيها أحد، ولا تتعطل خطة خمسية، ولا تأكل البيروقراطية إبداعات المواطنين. 
سلطنة عمان حالة من الفرح في عالم الحزن العربي، ومن التسامح في ثورات الغضب، ومن اليقظة في زمن الموت السريري لمعظم أجزاء الوطن الكبير. أليست هذه أسباب مقنعة لتبتسم إنْ زرت عُمان.. عرس دولة في سرادق حزن وطن عربي كبير؟


محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو ( من أرشيفي )
Taeralshmal@gmail.com



ليست هناك تعليقات:

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...