05‏/05‏/2016

حمار يُقَدّم أوراقَ ترشحه للرئاسة!

 
أوسلو في 7 أغسطس 2005

في اللحظات الأخيرة وقبل اغلاق باب قبول أوراق الترشح لرئاسة الجمهورية، وبعد أن بلغ العدد نفس كمية الليمون لدى أحد الباعة الجائلين، شاهد المصطفون وقوفاً في حر القاهرة حماراً يجري لاهثا، ويقدم أوراقَ ترشّحه للسيد رئيس اللجنة الذي وقف مندهشا، لكنه اضطر لقبول أوراق الحمار، فهناك سباق على المنصب والنصف مليون جنيه بالعملة المحلية.
لكن فضول رئيس اللجنة دفعه لسؤال الحمار، فدار بينهما الحوار التالي:

رئيس اللجنة: هل استوفيت الشروط اللازمة بتعقيداتها البيروقراطية والتعجيزية التي وضعها صاحب القرار الأوحد؟
الحمار: لا أعرف حتى الآن، ولكن معظم الواقفين لا يعرفون هُمّ أيضا!

رئيس اللجنة: هل تستطيع أن تجمع مئتين وخمسين صوتا من أعضاء مجلسي الشعب والشورى والمجالس البلدية؟
الحمار: قطعا لا أستطيع، لكنني هنا أقوم بدور المحلل لأكبر عملية تزييف في أوراق وطن، وكل الذين تراهم هنا يعلمون الدور الخسيس أو الساذج أو الأبله أو العبيط للترشح لجعل ست سنوات فاجعات حلالا لسيد القصر، ويستطيع أن يضع أصابعه في عيون من يدّعي أن العملية ليست ديمقراطية.

رئيس اللجنة: ولكن ماذا تستفيد أنت على المستوى الشخصي من الترشح لهذا المنصب منافسا العشرات ومنهم الفائز حتما وسلفا ويقينا وتأكيدا حتى قبل فتح الصناديق السحرية لأصوات الموتى والمغيبين المتمسكين بربع قرن من نهب الوطن، ويصرّون عن سبق اصرار وترصد على اطلاق رصاصة الرحمة على أم الدنيا.
الحمار: حتى يعلم القاصي والداني أنني لا أختلف عن المترشحين في أي شيء باستثناء معرفتهم المسبقة بجريمة تبرير الجريمة، أما أنا فحمار تنطبق عليه شروط الترشح.

رئيس اللجنة: لكنك تعلم أنك لن تحصد أصواتا تزيد عن عدد أصابع اليدين والقدمين!
الحمار: وهل النتيجة المعلنة لنسبة نجاح السيد الرئيس هي الحقيقة؟ كلنا نكذب، ونضحك على الوطن، ونمارس بغاء الكلمة، ونُعِدّ لأنفسنا موقعا مميزا في جحيم الآخرة.
كلنا نشاهد أرض الكنانة يتم اغتصابها مئة مرة في اليوم، ونخلد إلى الراحة اللذيذة بعد يوم مهانة واذلال وعبودية، ثم نتمسك بالمُغتَصِب، ونقدّم له تبريرات، وندّعي أن مصر عاقر لا تنجب أبطالا.

رئيس اللجنة: الشعب لا ينتخب حمارا في أحلك الظروف وأصعب فترات الزمن الأغبر الذي نعيش فيه
الحمار: لكن الحمار يستطيع أن يفرض نفسه، وسيصفق الناس لي لو حصلت على نسبة واحد وخمسين بالمئة.

رئيس اللجنة: إنك تطعن في شرف ونزاهة واخلاص هؤلاء المترشحين الأبطال الذين يمارسون حقهم الديمقراطي.
الحمار: أين كان هذا الحق منذ ربع قرن؟ هذا ليس حقا لكنها منحة ورشوة خسيسة ومعها نصف مليون جنيه وامتيازات أخرى. ما يحدث جريمة بكل المقاييس، والمجرم الأكبر هو من يدّعي أن اختفاء أو انحسار أو عدم ظهور منافسين حقيقيين لصاحب السلطة الأولى والوحيدة يعني أن مصر عاجزة عن انجاب عبقري مثل قائد الضربة الجوية الأولى وفقا للحديث مع عماد الدين أديب.

رئيس اللجنة: لقد حيّرني أمرك، هل تريد فعلا النجاح بعد حملتك الانتخابية أم هي نزاهة ووجاهة وخُيَلاء ليصبح اسمُك في المستقبل المرشحَ السابقَ لرئاسة الجمهورية، تماما كالوزير السابق والمحافظ السابق؟
الحمار: أنا لا يشرفني أن تستقبل السماوات لعنات أهل الأرض المظلومين والمعذبين والمعتقلين بهتانا وزورا بسببي، وأنْ أتحمل وزر الغلاء والبطالة والفساد والرشوة ونصف مليون مدمن وخمسة عشر مليونا من مرضى البلهارسيا والكبد الوبائي وتخريج ملايين من شباب الجامعة من أنصاف الأميين ....
ولا أحمل وزر الضوء الأخضر لاستيراد المواد المسرطنة واستمرار الرجل لعشرين عاما وهو يسمم أبناء الشعب تحت سمعي وبصري وبرضائي.
ولا أحمل وزر الصفر في كل المجالات من الاعلام إلى الادارة ومن الاقتصاد إلى كرامة المواطن.
إنني فخور لكوني حمار .

رئيس اللجنة: لكنك مثلنا تتحمل الاهانة والضرب والركل والتعذيب والجوع وتظل صامتا من مهدك إلى لحدك.
الحمار: لأن الله لم يخلق لي عقلا وايمانا وقوة وشجاعة واستخلافا في الأرض، أما أنتم ممن يصمتون خوفا أو طاعة أو سكوتا عن الحق، بل وتقدمون أحط التبريرات لاستمرار كارثة وطنكم فحسابكم أشد وأقسى وأغلظ من حساب من تخافون منه، أعني من تصنعون الخوف منه وهو نمر من ورق.

رئيس اللجنة: أنت وقح وسأعمل على عدم قبول أوراق ترشحك وسأبلغ كمال الشاذلي وصفوت الشريف وجمال مبارك أن هذا الحمار لم يستوف الشروط القانونية التي وضعها السيد الرئيس.
الحمار ناهقا: وأنا أسحب الآن أوراق ترشحي حفاظا على كرامتي، مع افتراض أنك وهؤلاء الواقفين تعرفون قيمة الكرامة في وطن لم تعد فيه كرامة.

وانسحب الحمار تاركا رئيس اللجنة والمترشحين المئة في وجوم ودهشة، لكن أحدا منهم لم ينسحب، فالمبلغ المرصود يسيل له اللعاب، ولقب المرشح السابق لرئاسة الجمهورية تتفتح أمام صاحبه أبواب كثيرة كانت مغلقة دونه، والفائز الحقيقي يجلس في قصره يضحك حتى أغرورقت عيناه من مشهد السيرك، لكنه للحقيقة كان يحمل احتراما شديدا للحمار الذي انسحب حفاظا على كرامته.
 
محمد عبد المجيد
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
طائر الشمال
أوسلو

ليست هناك تعليقات:

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...