16‏/05‏/2016

صناعة الصنم

أرشيف
أوسلو في 16 مايو 2012
 
 
التعصب ليس بالضرورة دينيا أو قوميا أو وطنياً أو مذهبياً أو طائفيا أو قبــَــلياً أو طبقياً، لكن هناك نوعٌ غريبٌ منه وهو التعصب الشخصاني!
أنت تؤيد فلاناً ابنَ فلانةٍ، لكنك تغضب من أجله، وتستيقظ الليل مُدافعاً عنه، وتحارب طواحين الهواء ذوداً عن مزاياه وعبقريته.
تشحذ أسلحتــَــك، وتخاصم الدنيا كلها لمجرد أنك اقتنعت بمزايا وحسنات شخص مثلك، يتعب، ويــُــرْهـَـق، وتستعصي عليه مسألة حسابية ....
..بسيطة، ولم تتركه بعضُ الأمراض النفسية في حاله.
من حقك أن تدافع عنه، وتشرح للعالمين جوانبَ الاشراق في شخصيته، وتسُدّ الثغرات التي تــُـظهر عيوبَه، وتحتضن كلامَه في أحلامِك لعله يتحقق فور استيقاظــِـك، ولكن هل هو واجب عليك تقديسُ سِرِّه المنيع؟

 إنه، أيّ مرشــَـح، شخص عادي، يأكل، وينام فيطارده الأرق، ويذهب إلى الحمام، ويصيبه مغص، ويؤرقه الاسهال قبل التوجّه إلى مبنى التلفزيون.
إنه، أي المرشح، من لحم ودم وشحم وفضلات ومخاط وعرق وذاكرة ضعيفة .. وبين الحين والآخر تزكم الأنوفَ رائحةٌ كريهة تنبعث منه رغم أنفه، وهو مليء بأخطاء وذنوب لو أحصيتها لما أعطيته صوتك.
إنه يستحق صوتك إن كنت مقتنعا به، لكن أن تبرز عروقك، وتحمرّ وجنتاك، وتسبّ وتلعن فيمن لا يريدك أن تعطيه صوتك، وتقضي نصف يومك باحثا عن مؤيدين له ليطمئن قلبك على حُسن اختيارك، فقد أحكمت الأزمة النفسية التي لا مخرج لك منها.

التنزيه نوع من القداسة، والقداسة صنف من العبادة، والعبادة للاشخاص استحمار، والتأييد الأعمى المتعصب استجحاش، وهستيريا الدفاع المستميت عن شخص هي حالة من العبودية المختارة، أو من الدونية المستعذبة والتي لا تليق بمن نفخ الله فيهم من الروح.
كل المرشحين للرئاسة أناس مثلي ومثلك، ولو رأيت معبودك الإنساني وهو في حالة ضعفه بين جدران أربعة لخجلت من كلمات المديح والثناء التي أشبعته منها فانتفخ احساسه بنفسه فبدى كأنه ورم وليس اعتزازاً بالنفس.

لا تصنع آلهة إغريقية ممن تحب، وأعطه صوتك على علاته وعيوبه وضعفه، وامتدح ما تشاء، ولكن لا تصنع صنماً من قش أو طين أو خيوط العنكبوت.
إنه، مرشحك المفضل، ليس أفضل منك كثيراً، وهو يمتاز عنك في جوانب، وتتفوق عليه في جوانب أخرى، وتربطكما إنسانية ضعيفة هشّة لا تستحق كل هذا التهويل والتمجيد والتأليه.
لو رأيت الكبار في مواضع لا يعرفون أنك تراقبهم لحزنت على صنمك ما بقي لك من عمر.
امنحه صوتك، لو أردت، لكن لا ترفعه فوق رأسك، فالأحرارلا يلصقون أحذية الكبار فوق رؤوسهم، إنما يثنون على القليل من ايجابياتهم، ويحتفظون بالكثير من سلبياتهم خشية الصدمة الكبرى.
في هذه اللحظة بالذات لو كنت ترى الغيب، واطلعت على صنمك لوليّت منه فِراراً، ولبكيت على وقت طويل ضاع في البحث عن صفات الملائكة لصلصال من طين.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 16 مايو 2012

ليست هناك تعليقات:

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...