22‏/04‏/2016

لماذا نحب السباب من وراء حجاب؟


شغلني كثيرا هذا الموضوع، فرغم أنها حالة مرضية تخفي تفسيرات عديدة، لكن تضخمها وتوسعتها والحفاظ على سريتها وخصوصيتها يزيد من استفحال المرض النفسي أو العقلي أو العاطفي.

إنها فروسية مزيفة ازدادت في السنوات القليلة المنصرمة أمام أجهزة الحاسوب بأسماء مستعارة، وكانت قد بدأت منذ وقت طويل عندما اتخذ فرسان الوقاحة صفوفهم خلف هواتف، فيشتمون أو يتغزلون أو يضايقون الغير، قبل أن يأتي نظام الأرقام المكشوفة.
ثم اقتحمنا عالم المنتديات على الإنترنيت وقد جاء حين من الوقت أصبحت المنتديات مرتعاً لعاشقي الشتائم تحت أسماء مستعارة أو شعارات أو ألقاب سياسية أو وطنية أو فنية أو دينية، وشهدت تلك الفترة ألسنة حداداً كأنها مغموسة في جمرات نار فوق نرجيلة داخل غرزة للمخدرات.


ثم انتقلنا إلى صفحات التواصل الإجتماعي التي جمعت العظيم والحقير، المثقف والجاهل، الرقيق والعدواني، الإنسان والحيوان، المصلح ورجل الأمن الإلكتروني، فانفجرَ فُجــْـرُ الفيسبوكيين والتويتريين وتقدموا كتائب الصغائر من الأمور.
لذة عجيبة يستمتع بها شخص مجهول وهو في أشد الحاجة إلى علاج نفسي، فيجلس في غرفته ويمرر أصابعه فوق الكيبورد، ويتحول إلى دون كيخوت فيحارب طواحين المخالفين له، والمعتنقين عقائد أخرى، والأغراب، وأصحاب المذاهب المختلفة، والوطنيين، والذين تجرأوا ففكروا، وفكروا فأشهروا معتنقاتهم، وخالفوا معارضيهم، ودسوا أنوفهم في المــُــقَدس.
لغة سقيمة ومريضة ونتنة تفوح منها رائحة الجهل يحارب بها صاحبنا الدنيا كلها بغير أن يقترب من كتاب أويفتح موسوعة أو يتصفح دورية، أو يغوص في تاريخ، أو يسبح في جغرافيا.
تقرأ، وتضرب كفاً بكف، فأنت لم تؤذه أو تسب أمه أو تلعن أباه أو تثأر منتقماً لإيذائه إياك، إنما قرأ لك سطراً أو اثنين، ورأس الموضوع وتوقيعك، فنزل عليك كالثور الهائج، ومرمط دينك وعقيدتك وحزبك ورأيك واقتراحك وتحليلك وفهمك، ثم ارتاب في نيتك، وشكك في وطنيتك، ولعن دينا لم تسألك أمك عنه وأنت في بطنها.



الإنترنيت أصبح ملاذ مرضى الشتائم، فلم تعد لذة لكنها شبق لعفن اللسان، يشتمك وهو في مخبئه الإلكتروني، ويصفك بأبشع الأوصاف، ولا يتأخر عن سحب هذه القباحات إلى أهلك وأختك ومعارفك ومن يتفقك معك.
من أين جاء هؤلاء التواصليون الحشاشون؟
لم يخرجوا من صفحات كتاب أو من صفوف ندوة أو من مدرج محاضرة، لكنهم نتاج طبيعي لإطلاقنا سراح مرضى يعيثون فسادا في الأرض، ويطلقون مفردات الكراهية البذيئة ، وتسمع منهم ما يعف اللصوص والمجرمون والقتلة عنه.



كلهم يملكون مفاتيح الإنترنيت، ويدخلون، ويمارسون الفاحشة اللغوية، ولا يكترثون أنك تعرفهم أو تجهلهم، أنهم أشخاص حقيقيون أو أنهم ذيول أجهزة الأمن.
على كل حال فهم جبناء، مختبئون في غرفهم وبين دخان يتصاعد فيخفي أفاعٍ تلدغ دون رحمة، وتلسع دون سابق معرفة.


محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 22 ابريل 2016                                    

هناك 3 تعليقات:

Unknown يقول...

تحليل راىع بلغة معبرة وراقية

Unknown يقول...

هل يمكن عرض هذةه الموضوعات التحليلية علي الفيس لتكون اكثر انتشارا بنفس العمق التحليلي .. افادكم الله

Unknown يقول...

هل يمكن عرض هذةه الموضوعات التحليلية علي الفيس لتكون اكثر انتشارا بنفس العمق التحليلي .. افادكم الله

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...