18‏/01‏/2014

مَنْ يــُـعيد إليَّ إسلامي؟



استمعت لتوي إلى حديث الروح بصوت أم كلثوم والقصيدة مترجمة عن شعر لمحمد إقبال، وكنت قد استمعت إليها للمرة الأولى في عام 1968 وأنا في المعدية من بورفؤاد إلى بورسعيد فتمكنت كلماتها من الدخول إلى مسامات جسدي من جانب وإلى الفؤاد كأنها أجمل زوار يومي.

عشت أجمل أيام الدين النقي والطاهر والبسيط والبريء، حتى أننا كنا في سن المراهقة نستمتع بلحظات غبطة لا مثيل لها على شاطيء ستناللي بالاسكندرية، ونترك الشاطيء جريا لنغير ملابسنا، ونؤدي صلاة الجمعة في المسجد المقابل، وبعد انتهاء الصلاة بأقل من دقيقتين، كان المصلون يشاهدوننا ونحن نتسابق إلى الشاطيء مرة أخرى.
كنا نصلي العشاء، ونجري إلى سينما الهمبرا أو بلازا ، وكانت كل الأشياء الممتعة متلازمة من صلاة وسينما وشاطيء وسباحة وشطرنج ومظاهرات ومناقشات، قبل أن يهبط علينا من كوكب القرود اخوان الشيطان وفروع متفرقة من أسماء قبيحة تشم منها رائحة الدم.
جاءوا إلينا بفتاوى وملابس غريبة ولحى راسبوتينية كما في أفلام الرعب. انضمت القاعدة والنصرة ومجاهدو سيناء وبورنيو الفتيات السوريات والبوسنيات واليمنيات.
جاءونا على النت واليوتيوب والتلفزيون يرفعون أصابعهم وأيديهم ومصاحفهم، وتبـْـيــِن من بين شفاههم الغليظة أسنان صفراء باهتة كأنها أنياب تبحث عمن تنغرز في لحمه إذا اختلف معها.

كنا نتحدث عن سماحة الإسلام فجاء الأوغاد يعلموننا أن الإسلام هو النقاب وبول الرسول ومفاخذة الطفلة وإنقاذ العوانس بإعادة نظام الجواري.
كنا في حالة حب مع الإسلام، ومع الأديان بوجه عام، فهبطت شياطين التدين الغليظ لتعلمنا أن لا نهنيء شركاء الوطن، وأن لا نترحم على شهدائهم ، فالله الجديد ينتظر على قارعة الطريق ليحصي لنا حسناتنا، أي من قتلناهم غيلة وغدرا وظلماً.
كنا ننصت خاشعين لتلاوات قرآنية كأنها قادمة من الجنة، فاستوردوا لنا أصواتا تخرج من حبال صوتية مصنوعة من ألياف صناعية صينية.
كنا في حالة حب مع اللغة العربية فأغرقونا بلغة أعجمية مصنوعة في غرزة تتبخر حروفها مع دخان نرجيلة لا تختلف عن مصنع للملوثات السمعية والبصرية.
كنا نستمع إلى كلمات الحب في قصة يوسف، عليه السلام، ونخجل من النظر إلى عيون آبائنا عندما نصل إلى وقالت نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حباً، فجاء الخفافيش الجدد يضعون مفاهيم المرأة في الإسلام في جزئها الأسفل، ويجعلون شهادة الجهاد ضد المحتل، شهادة التفخيخ لمستشفى أو مدرسة للأطفال ثم اثنتين وسبعين من الحور العين ينتظرن بصبر نافد القاتل الشهيد ليكافئنه قبل حساب يوم القيامة بجماع يعادل ألف مرة جماع الجهاد في سورية أو البوسنة أو أفغانستان.
كان الإسلام رسالة حب إلى السماء تمهيدا لنور ربك ذي الجلال والإكرام، فجاءت الضفادع تنقنق بآيات ساميات فتـُـخرجها من سياقها الجميل وتدخل بها معركة مع طوب الأرض وذباب الوجه وكل المخالفين.
أشتاق .أشتاق . أشتاق للإسلام الحنيف، ولكنني كلما وليّت وجهي شاهدت وجوها مكفهرة، وأصابع أربعة، وعلم بلدي ممزقاً ورماداً بعد الحرق، وهولاكيين حمقى يرفعون المصحف الطاهر بأيديهم النجسة.
من يُعيد إليَّ ديني؟

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
Oslo   Norway

ليست هناك تعليقات:

لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة!

  لهذا لم أعُدْ أحب حِجابَ المرأة! كنتُ فرحا به منذ نصف قرن؛ فقد كان جزءًا من الحرية الفردية للمرأة، فلا تغطي شعرَها إلا واحد بالمئة من نساء...